top of page

الحرية بين متاهة ومتاهة

Writer's picture: Ahmed MagdyAhmed Magdy




- أيهما أَوْلَى .. الله أم الإنسان؟

- هكذا صارا في صراع.

- ليس صراعًا .. إن ترتيب للألولويات .. تحديد لمن يكون في خدمة من .. من يضع القواعد ومن يتبعها.. من يأمر ومن ينفذ .. من يثيب ويعاقب، ومن يخضع وينعم أو يتمرد ويشقى.

- وكأنك تطالب الأضغف بالخضوع للأقوى .. يا لك من منطقي .. إله قوي مطلق القدرة يحاصر إنسانًا ضعيفًا فلا يملك الضعيف سوى طاعته حتى يكون في أمان من بطش ذلك القوي .. ذلك إيمان القهر.

- يا أبله .. عندما ترى طفلًا يكاد يؤذي نفسه لا بد أن تجبره على النجاة .. إن الله يضع القواعد لأنها تُشَكِّل سبيل النجاة للإنسان، ولو تُرك الإنسان لحريته لما اتبع هذه القواعد إلا في القليل من البشر، ولذلك يجب أن يُجبر الإنسان على السير وفق هذه القواعد.

أولا: هذا الإجبار مهما كانت وسيلته لن يخلق مؤمنًا حقيقيًّا .. إنه إما يخلق خاضعًا قابلًا للمذلة كي يجني ثمارها نعيمًا، أو يخلق خائفًا يطيع كي يتجنب الشقاء .. هل هذا ما يريده الإله؟ .. يريد ذليلًا خائفًا؟ .. وثانيًا: إذا وضع الله القواعد فمن يجبر الإنسان على طاعتها .. لقد اكتفى الله بتبيان تلك القواعد وتركها للإنسان .. وهل يكفي الوعد بالجنة والوعيد بالنار كي يطيع هذه القواعد؟ .. الله لن يتدخل في حالة كل فرد كي يجبره على طاعته.

- هذا عمل الطائعين .. أولئك الذين أدركوا قيمة هذه القواعد وأطاعوا فأدركوا ثمارها العظيمة .. عليهم إذن أن يكونوا هم القوة التي تحفظ تلك القواعد.

إذن ستخلق طبقة من المتسلطين الذين يتحكمون في البشر .. فإن كانوا من البداية أهل صفاء ونقاء فإنهم لا محالة سيأتي من بعدهم أهل قوة وفساد يتسلطون على خلق الله باسم قواعده .. وإن لم تكن لهم القوة الكافية فإنهم سيلتحقون بخدمة السادة الذين يضمنون لهم مصلحتهم نظير أن يقنعوا العامة بحق السادة في السيادة .. التاريخ مليئ بهذا .. عُدْ إليه.

- وماذا لو تركتهم لحريتهم .. أن يلتزموا أو لا .. كما يحلو لهم؟ .. أتعلم ما الذي يحدث وقتها؟

- بالطبع .. سباق محموم نحو السعادة .. يصير (الحصول على) هو سر كل سعادة .. غرق في الشهوات .. استهلاك بلا حدود .. تنافس حول الامتلاك يؤدي في النهاية إلى انقسام الناس إلى أصحاب قوة يستطيعون التملك، وضعفاء يضطرون لخدمة الأقوياء كي يحصلوا على بعض احتياجاتهم .. أما القواعد فإن الأقوياء سيجعلونها في صالحهم، والضعفاء سيتخذون منها تعويضًا عما يشعرون به من نقص وضعف.

موقفان متناقضان يؤديان لنفس النتيجة.

- لأنهما ليسا موقفين بل موقف واحد.

- كيف وهذا موقف يجبر الجموع، وذاك يعطيهم الحرية الكاملة؟

- فيؤديان معًا إلى وجود طبقة مسيطِرة وطبقة أخرى ذليلة منافقة.

- ما الطريق إذن؟

- أولًا: أن نوقن أن الله وثق بالإنسان .. أن الإنسان مهما أساء فهو على قدر هذه الثقة .. أن تلك الحرية التي أهداها الإله له هي أعز ما له .. وهي مناسبة تمامًا له مهما أساء استخدامها .. لقد أعطاها الله له وهو يعلم ما يمكن أن يفعله الإنسان بها.

- كما رأيت فلقد اتبع الشهوات وصار آلة استهلاكية .. تلك كانت نتيجة الحرية.

- ولهذا فهناك ثانيًا.

- وما ثانيًا؟

- أهل النُّهَى وصفوة الصفا .. قوم قلوبهم كالطير .. هم المربون .. يحملون مشعل الحقيقة ويسيرون بين الناس.

- ولكن مثل هؤلاء يتحولون إلى طبقة من المتسلطين ذوي الأتباع كما حدث مع الطرق الصوفية التي باتت مجموعة من الأتباع المتبعين لسادة نالوا سيادتهم بالوراثة أو الكاريزما.

- وهذا هو شرط أهل النهى .. يظلون فرادى، فلا يصيرون جماعة أو طريقة أو فئة .. لا تكون لهم سيادة .. ولا يكون المريد بين أيديهم كالميت بين يدي مُغَسِّله .. يعطون حُبًّا ولا ينتظرون عوضًا.

- لكن .. ألا ترى أن الصادقين قلة، وأنهم مهما فعلوا فإن جهودهم ستظل كمن يحاول أن يُفرغ البحر بملعقة .. مذا يفعلون بجهودهم القليلة وسط طوفان الفساد الذي ساد العالم.

- وهذا ما يعالجه ثالثًا.

- وما ثالثًا؟

- أن ندرك أن الجنس البشري كله هو إنسان واحد .. إنه جسد أما البشر فهم خلايا تعيش في هذا الجسد الواحد .. ولكن هذه الخلايا تصرفت بجنون حتى فسد الجسد .. وعمل أهل النهى أن يقنعوا هذه الخلايا بأن تقوم بظيفتها الصحيحة من تلقاء نفسها .. سيظل الجسد مريضًا طالما كثرت الخلايا المريضة، ولكن الرحلة البشرية هي رحلة البشر في الارتقاء بأنفسهم حتى يصير أكثرهم متناغمين مع الجسد البشري الواحد .. وليعلم الفرد أن صلاحه ولو وحده كفيل بأن ينصلح الجسد كله لأن صلاحه هو تحسين للجسد نفسه مما يجعل غيره ينصلح بصلاحه فيتعافى الجسد شيئًا فشيئًا.

- ومَن يضمن أن ينصلح هذا الجسد يومًا؟

- إنه التسليم لله .. فنحن أمام احتمالين .. إما أن الجسد الإنساني لن ينصلح أبدًا، وأن قلة فقط هي التي ستنصلح يومًا فيكون هذا دور الإنسان، وإما أن الجسد الإنساني ينصلح يومًا فيكون دورنا المساهمة في إصلاحه تاركين حدوث الإصلاح الكامل في يد الله نفسه.

- وهل هناك رابعًا؟

- أما رابعًا: أن يجيد أهل النهى عرض معنى الحري، فلقد أُسيئ عرض هذا المعنى.

- وما معنى الحرية؟

- أن يكون الإنسان كاملًا.

- وهل يمكن؟

- نعم .. إذا أدرك أنه لا ينقصه شيء.

- ولكنه ينقصه الكثير.

- الأمر ليس فيما ينقصه، ولكنه في شعوره بهذا النقص .. إن أدرك أن كل شيء يتغير أدرك أن ما ينقصه هو وهم .. إنها قناعة داخلية تجعله يتقبل كل أوضاعه .. وتلك هي الحرية.

- فإن تقيَّد بما يمنعه من الحصول على ما يشاء؟

- أدرك قدرته على استغنائه عنه.

- وإن حصل على ما يريد؟

- أدرك أن ذلك لا يزيده كمالًا.

- وماذا إن فرغ لشهواته ولذائذه، وسقط في هوة الاستهلاك؟

- أدرك أن تلك الحرية هي في أصلها عبودية، وأنه صار بذلك عبدًا لشهواته ولذائذه.

- ولكنك بهذا تهمل دور المجتمع، وتدفع الإنسان ليكون فردًا مهتمًّا بمصيره، ولا يهتم بمصير غيره.

- نعم .. هذا يجعل الإنسان سلبيًّا لا منتميًا فيصير وحيدًا مما يجعله فريسة سهلة للأسياد كي يتحكموا به .. يكون كالنغمة الشاردة بين الذئاب.

- فما الحل إذن؟

- أن يقوم المجتمع بدوره .. فدوره ليس التحكم في أفراده ليسيروا على القواعد، ولكن أن يوفر للأفراد الحياة المناسبة كي يفرغوا لتطهير أنفسهم والتحرر من شهواتهم وزيفهم .. إنه المجتمع الذي يعمل على أن يوفر لأعضائه احتياجاتهم كي يستطيعوا التحرر.

24 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page